سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(1) التفسير المختصر: نزَّهَ اللهَ وقَدَّسه ما في السماوات والأرض من مخلوقاته، وهو العزيز الذي لا يغلبه أحد، الحكيم في خلقه وتقديره. تفسير الجلالين: «سبَّح لله ما في السماوات والأرض» أي نزهه كل شيء فاللام مزيدة وجيء بما دون من تغليبا للأكثر «وهو العزيز» في ملكه «الحكيم» في صنعه. تفسير السعدي: يخبر تعالى عن عظمته وجلاله وسعة سلطانه، أن جميع ما في السماوات والأرض من الحيوانات الناطقة والصامتة وغيرها، [والجوامد] تسبح بحمد ربها، وتنزهه عما لا يليق بجلاله، وأنها قانتة لربها، منقادة لعزته، قد ظهرت فيها آثار حكمته، ولهذا قال: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فهذا فيه بيان عموم افتقار المخلوقات العلوية والسفلية لربها، في جميع أحوالها، وعموم عزته وقهره للأشياء كلها، وعموم حكمته في خلقه وأمره. |
لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(2) التفسير المختصر: له وحده ملك السماوات والأرض، يحيي من يشاء أن يحييه، ويميت من يشاء أن يميته، وهو على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء. تفسير الجلالين: «له ملك السماوات والأرض يحيي» بالإنشاء «ويميت» بعده «وهو على كل شيء قدير». تفسير السعدي: ثم أخبر عن عموم ملكه، فقال: لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ أي: هو الخالق لذلك، الرازق المدبر لها بقدرته وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ |
هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(3) التفسير المختصر: هو الأول الذي لا شيء قبله، وهو الآخر الذي لا شيء بعده، وهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء، وهو الباطن الذي ليس دونه شيء، وهو بكل شيء عليم، لا يفوته شيء. تفسير الجلالين: «هو الأول» قبل كل شيء بلا بداية «والآخر» بعد كل شيء بلا نهاية «والظاهر» بالأدلة عليه «والباطن» عن إدراك الحواس «وهو بكل شيء عليم». تفسير السعدي: هُوَ الْأَوَّلُ الذي ليس قبله شيء، وَالْآخِرُ الذي ليس بعده شيء وَالظَّاهِرُ الذي ليس فوقه شيء، وَالْبَاطِنُ الذي ليس دونه شيء. وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ قد أحاط علمه بالظواهر والبواطن، والسرائر والخفايا، والأمور المتقدمة والمتأخرة. |
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(4) التفسير المختصر: هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام بدأت بيوم الأحد، وانتهت بيوم الجمعة، وهو قادر على خلقها في أقلّ من طرفة عين، ثم علا وارتفع سبحانه على العرش علوًّا يليق به سبحانه، يعلم ما يدخل في الأرض من مطر وبذر وغيرهما، وما يخرج منها من نبات ومعادن وغيرهما، وما ينزل من السماء من المطر والوحي وغيرهما، وما يعرج فيها من الملائكة ومن أعمال العباد وأرواحهم، وهو معكم أينما كنتم -أيها الناس - بعلمه، لا يخفى عليه منكم شيء، والله بما تعملون بصير، لا يخفى عليه من أعمالكم شيء، وسيجازيكم عليها. تفسير الجلالين: «هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام» من أيام الدنيا أولها الأحد وآخرها الجمعة «ثم استوى على العرش» الكرسي استواءً يليق به «يعلم ما يلج» يدخل «في الأرض» كالمطر والأموات «وما يخرج منها» كالنبات والمعادن «وما ينزل من السماء» كالرحمة والعذاب «وما يعرج» يصعد «فيها» كالأعمال الصالحة والسيئة «وهو معكم» بعلمه «أين ما كنتم والله بما تعملون بصير». تفسير السعدي: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ استواء يليق بجلاله، فوق جميع خلقه، يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ من حب وحيوان ومطر، وغير ذلك. وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا من نبات وشجر وحيوان وغير ذلك، وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ من الملائكة والأقدار والأرزاق. وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا من الملائكة والأرواح، والأدعية والأعمال، وغير ذلك. وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ كقوله: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا وهذه المعية، معية العلم والاطلاع، ولهذا توعد ووعد على المجازاة بالأعمال بقوله: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أي: هو تعالى بصير بما يصدر منكم من الأعمال، وما صدرت عنه تلك الأعمال، من بر وفجور، فمجازيكم عليها، وحافظها عليكم. |
لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ(5) التفسير المختصر: له وحده ملك السماوات وملك الأرض، وإليه وحده ترجع الأمور، فيحاسب الخلائق يوم القيامة، ويجازيهم على أعمالهم. تفسير الجلالين: «له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور» الموجودات جميعها. تفسير السعدي: لَهُ ملك السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ملكا وخلقا وعبيدا، يتصرف فيهم بما شاءه من أوامره القدرية والشرعية، الجارية على الحكمة الربانية، وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ من الأعمال والعمال، فيعرض عليه العباد، فيميز الخبيث من الطيب، ويجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته. |
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۚ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(6) التفسير المختصر: يدخل الليل على النهار فتأتي الظلمة، وينام الناس، ويدخل النهار على الليل فيأتي الضياء، فينطلق الناس إلى أعمالهم، وهو عليم بما في صدور عباده، لا يخفى عليه شيء منه. تفسير الجلالين: «يولج الليل» يدخله «في النهار» فيزيد وينقص الليل «ويولج النهار في الليل» فيزيد وينقص النهار «وهو عليم بذات الصدور» بما فيها من الأسرار والمعتقدات. تفسير السعدي: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ أي: يدخل الليل على النهار، فيغشيهم الليل بظلامه، فيسكنون ويهدأون، ثم يدخل النهار على الليل، فيزول ما على الأرض من الظلام، ويضيء الكون، فيتحرك العباد، ويقومون إلى مصالحهم ومعايشهم، ولا يزال الله يكور الليل على النهار، والنهار على الليل، ويداول بينهما، في الزيادة والنقص، والطول والقصر، حتى تقوم بذلك الفصول، وتستقيم الأزمنة، ويحصل من المصالح ما يحصل بذلك، فتبارك الله رب العالمين، وتعالى الكريم الجواد، الذي أنعم على عباده بالنعم الظاهرة والباطنة، وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أي: بما يكون في صدور العالمين، فيوفق من يعلم أنه أهل لذلك، ويخذل من يعلم أنه لا يصلح لهدايته |
آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ(7) التفسير المختصر: آمنوا بالله، وآمنوا برسوله، وأنفقوا من المال الذي جعلكم الله مُسْتَخْلَفين فيه، تتصرفون فيه وفق ما شرع لكم، فالذين آمنوا منكم بالله، وبذلوا أموالهم في سبيل الله، لهم ثواب عظيم عنده، وهو الجنة. تفسير الجلالين: «آمنوا» داوموا على الإيمان «بالله ورسوله وأنفقوا» في سبيل الله «مما جعلكم مستخلفين فيه» من مال من تقدمكم وسيخلفكم فيه من بعدكم، نزل في غزوة العسرة وهي غزوة تبوك «فالذين آمنوا منكم وأنفقوا» إشارة إلى عثمان رضي الله عنه «لهم أجر كبير». تفسير السعدي: يأمر تعالى عباده بالإيمان به وبرسوله وبما جاء به، وبالنفقة في سبيله، من الأموال التي جعلها الله في أيديهم واستخلفهم عليها، لينظر كيف يعملون، ثم لما أمرهم بذلك، رغبهم وحثهم عليه بذكر ما رتب عليه من الثواب، فقال: فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا أي: جمعوا بين الإيمان بالله ورسوله، والنفقة في سبيله، لهم أجر كبير، أعظمه [وأجله] رضا ربهم، والفوز بدار كرامته، وما فيها من النعيم المقيم، الذي أعده الله للمؤمنين والمجاهدين، ثم ذكر [السبب] الداعي لهم إلى الإيمان، وعدم المانع منه، فقال: |
وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۙ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(8) التفسير المختصر: وأي شيء يمنعكم من الإيمان بالله؟! والرسول يدعوكم إلى الله رجاء أن تؤمنوا بربكم سبحانه، وقد أخذ الله منكم العهد أن تؤمنوا به حين أخرجكم من ظهور آبائكم، إن كنتم مؤمنين. تفسير الجلالين: (وما لكم لا تؤمنون) خطاب للكفار، أي لا مانع لكم من الإيمان (بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ) بضم الهمزة وكسر الخاء وبفتحها ونصب ما بعده (ميثاقكم) عليه أي أخذه الله في عالم الذر حين أشهدهم على أنفسهم "" ألست بربكم قالوا بلى "" (إن كنتم مؤمنين) أي مريدين الإيمان به فبادروا إليه. تفسير السعدي: وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي: وما الذي يمنعكم من الإيمان، والحال أن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل وأكرم داع دعا إلى الله يدعوكم، فهذا مما يوجب المبادرة إلى إجابة دعوته، والتلبية والإجابة للحق الذي جاء به، وقد أخذ عليكم العهد والميثاق بالإيمان إن كنتم مؤمنين، ومع ذلك، من لطفه وعنايته بكم، أنه لم يكتف بمجرد دعوة الرسول الذي هو أشرف العالم، بل أيده بالمعجزات، ودلكم على صدق ما جاء به بالآيات البينات . |
هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ(9) التفسير المختصر: هو الذي ينزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم آيات واضحات؛ ليخرجكم من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم، وإن الله بكم لرؤوف رحيم حين أرسل إليكم نبيه هاديًا وبشيرًا. تفسير الجلالين: «هو الذي ينزل على عبده آيات بينات» آيات القرآن «ليخرجكم من الظلمات» الكفر «إلى النور» الإيمان «وإن الله بكم» في إخراجكم من الكفر إلى الإيمان «لرؤوف رحيم». تفسير السعدي: هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ أي: ظاهرات تدل أهل العقول على صدق كل ما جاء به وأنه حق اليقين، لِيُخْرِجَكُمْ بإرسال الرسول إليكم، وما أنزله الله على يده من الكتاب والحكمة. مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ أي: من ظلمات الجهل والكفر، إلى نور العلم والإيمان، وهذا من رحمته بكم ورأفته، حيث كان أرحم بعباده من الوالدة بولدها وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ |
وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(10) التفسير المختصر: وأي شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله؟! ولله ميراث السماوات والأرض، لا يستوي منكم - أيها المؤمنون - من أنفق ماله في سبيل الله ابتغاء مرضاته من قبل فتح مكة، وقاتل الكفار لنصرة الإسلام، مع من أنفق بعد الفتح وقاتل الكفار؛ أولئك المنفقون من قبل الفتح والمقاتلون في سبيل الله، أعظم منزلة عند الله وأرفع درجة من الذين أنفقوا أموالهم في سبيله بعد فتحها وقاتلوا الكفار؛ وقد وعد الله كِلا الفريقين الجنة، والله بما تعملون خبير، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، وسيجازيكم عليها. تفسير الجلالين: «ومالكم» بعد إيمانكم «ألا» فيه إدغام نون أن في لام لا «تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض» بما فيهما فتصل إليه أموالكم من غير أجر الإنفاق بخلاف ما لو أنفقتم فتؤجرون «لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح» لمكة «وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا» من الفريقين، وفي قراءة بالرفع مبتدأ «وعد الله الحسنى» الجنة «والله بما تعملون خبير» فيجازيكم به. تفسير السعدي: أي: وما الذي يمنعكم من النفقة في سبيل الله، وهي طرق الخير كلها، ويوجب لكم أن تبخلوا، و الحال أنه ليس لكم شيء، بل لله مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فجميع الأموال ستنتقل من أيديكم أو تنقلون عنها، ثم يعود الملك إلى مالكه تبارك وتعالى، فاغتنموا الإنفاق ما دامت الأموال في أيديكم، وانتهزوا الفرصة، ثم ذكر تعالى تفاضل الأعمال بحسب الأحوال والحكمة الإلهية، فقال: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا المراد بالفتح هنا هو فتح الحديبية، حين جرى من الصلح بين الرسول وبين قريش مما هو أعظم الفتوحات التي حصل بها نشر الإسلام، واختلاط المسلمين بالكافرين، والدعوة إلى الدين من غير معارض، فدخل الناس من ذلك الوقت في دين الله أفواجا، واعتز الإسلام عزا عظيما، وكان المسلمون قبل هذا الفتح لا يقدرون على الدعوة إلى الدين في غير البقعة التي أسلم أهلها، كالمدينة وتوابعها، وكان من أسلم من أهل مكة وغيرها من ديار المشركين يؤذى ويخاف، فلذلك كان من أسلم قبل الفتح وأنفق وقاتل، أعظم درجة وأجرا وثوابا ممن لم يسلم ويقاتل وينفق إلا بعد ذلك، كما هو مقتضى الحكمة، ولذلك كان السابقون وفضلاء الصحابة، غالبهم أسلم قبل الفتح، ولما كان التفضيل بين الأمور قد يتوهم منه نقص وقدح في المفضول، احترز تعالى من هذا بقوله: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى أي: الذين أسلموا وقاتلوا وأنفقوا من قبل الفتح وبعده، كلهم وعده الله الجنة، وهذا يدل على فضل الصحابة [كلهم]، رضي الله عنهم، حيث شهد الله لهم بالإيمان، ووعدهم الجنة، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فيجازي كلا منكم على ما يعلمه من عمله. |
مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ(11) التفسير المختصر: من ذا الذي يبذل ماله طيبة به نفسه لوجه الله، فيعطيه الله ثواب ما بذله من ماله مضاعفًا، وله يوم القيامة ثواب كريم، وهو الجنة؟! تفسير الجلالين: «من ذا الذي يقرض الله» بإنفاق ماله في سبيل الله «قرضا حسنا» بأن ينفقه لله «فيضاعفه» وفي قراءة فيضعفه بالتشديد «له» من عشر إلى أكثر من سبعمائة كما ذكر في البقرة «وله» مع المضاعفة «أجر كريم» مقترن به رضا وإقبال. تفسير السعدي: حث على النفقة في سبيله، لأن الجهاد متوقف على النفقة فيه، وبذل الأموال في التجهز له، فقال: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وهي النفقة [الطيبة] التي تكون خالصة لوجه الله، موافقة لمرضاة الله، من مال حلال طيب، طيبة به نفسه، وهذا من كرم الله تعالى [حيث] سماه قرضا، والمال ماله، والعبد عبده، ووعد بالمضاعفة عليه أضعافا كثيرة، وهو الكريم الوهاب، وتلك المضاعفة محلها وموضعها يوم القيامة، يوم كل يتبين فقره، ويحتاج إلى أقل شيء من الجزاء الحسن، ولذلك قال: |
يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(12) التفسير المختصر: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يتقدمهم نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، ويقال لهم في ذلك اليوم: بُشْراكم اليوم جنات تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار ماكثين فيها أبدًا، ذلك الجزاء هو الفوز العظيم الذي لا يدانيه فوز. تفسير الجلالين: اذكر «يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم» أمامهم «و» يكون «بأيمانهم» ويقال لهم «بُشراكم اليوم جنات» أي ادخلوها «تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم». تفسير السعدي: يقول تعالى -مبينا لفضل الإيمان واغتباط أهله به يوم القيامة-: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ أي: إذا كان يوم القيامة، وكورت الشمس، وخسف القمر، وصار الناس في الظلمة، ونصب الصراط على متن جهنم، فحينئذ ترى المؤمنين والمؤمنات، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، فيمشون بأيمانهم ونورهم في ذلك الموقف الهائل الصعب، كل على قدر إيمانه، ويبشرون عند ذلك بأعظم بشارة، فيقال: بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ فلله ما أحلى هذه البشارة بقلوبهم، وألذها لنفوسهم، حيث حصل لهم كل مطلوب [محبوب]، ونجوا من كل شر ومرهوب |
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ(13) التفسير المختصر: يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا: انتظرونا رجاء أن نقتبس من نوركم ما يعيننا على عبور الصراط، ويقال للمنافقين استهزاءً بهم: ارجعوا وراءكم، فاطلبوا نورًا تستنيرون به، فَضُرِب بينهم بسور، لذلك السور باب، باطنه مما يلي المؤمنين فيه الرحمة، وظاهره مما يلي المنافقين فيه العذاب. تفسير الجلالين: «يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا» أبصرونا وفي قراءة بفتح الهمزة وكسر الظاء: أمهلونا «نقتبس» نأخذ القبس والإضاءة «من نوركم قيل» لهم استهزاءً بهم «ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا» فرجعوا «فضرب بينهم» وبين المؤمنين «بسور» قيل هو سور الأعراف «له باب باطنه فيه الرحمة» من جهة المؤمنين «وظاهره» من جهة المنافقين «من قبله العذاب». تفسير السعدي: فإذا رأى المنافقون نور المؤمنين يمشون به وهم قد طفئ نورهم وبقوا في الظلمات حائرين، قالوا للمؤمنين: انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ أي: أمهلونا لننال من نوركم ما نمشي به، لننجو من العذاب، ف قِيلَ لهم: ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا أي: إن كان ذلك ممكنا، والحال أن ذلك غير ممكن، بل هو من المحالات، فَضُرِبَ بين المؤمنين والمنافقين بِسُورٍ أي: حائط منيع، وحصن حصين، لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وهو الذي يلي المؤمنين وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ وهو الذي يلي المنافقين، فينادي المنافقون المؤمنين، |
يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ(14) التفسير المختصر: ينادي المنافقون المؤمنين قائلين: ألم نكن معكم على الإسلام والطاعة؟! قال لهم المؤمنون: بلى، كنتم معنا، لكنّكم فتنتم أنفسكم بالنفاق فأهلكتموها، وتربصتم بالمؤمنين أن يُغْلَبوا فتُعْلِنوا كفركم، وشككتم في نصر الله للمؤمنين، وفي البعث بعد الموت، وخدعتكم الأطماع الكاذبة حتى جاءكم الموت وأنتم على ذلك، وغرَّكم بالله الشيطان. تفسير الجلالين: «ينادونهم ألم نكن معكم» على الطاعة «قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم» بالنفاق «وتربصتم» بالمؤمنين الدوائر «وارتبتم» شككتم في دين الإسلام «وغرتكم الأمانيُّ الأطماع «حتى جاء أمر الله» الموت «وغركم بالله الغَرور» الشيطان. تفسير السعدي: فيقولون لهم تضرعا وترحما: أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ في الدنيا نقول: لا إله إلا الله ونصلي ونصوم ونجاهد، ونعمل مثل عملكم؟ قَالُوا بَلَى كنتم معنا في الدنيا، وعملتم [في الظاهر] مثل عملنا، ولكن أعمالكم أعمال المنافقين، من غير إيمان ولا نية [صادقة] صالحة، بل فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ أي: شككتم في خبر الله الذي لا يقبل شكا، وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ الباطلة، حيث تمنيتم أن تنالوا منال المؤمنين، وأنتم غير موقنين، حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ أي: حتى جاءكم الموت وأنتم بتلك الحال الذميمة. وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ وهو الشيطان، الذي زين لكم الكفر والريب، فاطمأننتم به، ووثقتم بوعده، وصدقتم خبره. |
فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ مَأْوَاكُمُ النَّارُ ۖ هِيَ مَوْلَاكُمْ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(15) التفسير المختصر: فاليوم لا تؤخذ منكم - أيها المنافقون - فدية من عذاب الله، ولا تؤخذ فدية من الذين كفروا بالله علنًا، ومصيركم ومصير الكافرين النار، هي أولى بكم، وأنتم أولى بها، وبئس المصير. تفسير الجلالين: «فاليوم لا يُؤخذ» بالياء والتاء «منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم» أولى بكم «وبئس المصير» هي. تفسير السعدي: فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا فلو افتديتم بمثل الأرض ذهبا ومثله معه، لما تقبل منكم، مَأْوَاكُمُ النَّارُ أي: مستقركم، هِيَ مَوْلَاكُمْ التي تتولاكم وتضمكم إليها، وَبِئْسَ الْمَصِيرُ النار.[قال تعالى:] وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ |
۞ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ(16) التفسير المختصر: ألم يَحِنْ للذين آمنوا بالله ورسوله أن تلين قلوبهم وتطمئنّ لذكر الله سبحانه، وما نزل من القرآن من وعد أو وعيد، ولا يكونوا مثل الذين أُعطوا التوراة من اليهود، والذين أُعطوا الإنجيل من النصارى، في قسوة القلوب، فطال الزمن بينهم وبين بعثة أنبيائهم فقست بسبب ذلك قلوبهم، وكثير منهم خارجون عن طاعة الله إلى معصيته؟! تفسير الجلالين: «ألم يَأنِ» يَحِن «للذين آمنوا» نزلت في شأن الصحابة لما أكثروا المزاح «أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزَّل» بالتشديد والتخفيف «من الحق» القرآن «ولا يكونوا» معطوف على تخشع «كالذين أوتوا الكتاب من قبل» هم اليهود والنصارى «فطال عليهم الأمد» الزمن بينهم وبين أنبيائهم «فقست قلوبهم» لم تلن لذكر الله «وكثير منهم فاسقون». تفسير السعدي: لما ذكر حال المؤمنين والمؤمنات والمنافقين والمنافقات في الدار الآخرة، كان ذلك مما يدعو القلوب إلى الخشوع لربها، والاستكانة لعظمته، فعاتب الله المؤمنين [على عدم ذلك]، فقال: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ أي: ألم يجئ الوقت الذي تلين به قلوبهم وتخشع لذكر الله، الذي هو القرآن، وتنقاد لأوامره وزواجره، وما نزل من الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؟ وهذا فيه الحث على الاجتهاد على خشوع القلب لله تعالى، ولما أنزله من الكتاب والحكمة، وأن يتذكر المؤمنون المواعظ الإلهية والأحكام الشرعية كل وقت، ويحاسبوا أنفسهم على ذلك، وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ أي: ولا يكونوا كالذين أنزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب والانقياد التام، ثم لم يدوموا عليه، ولا ثبتوا، بل طال عليهم الزمان واستمرت بهم الغفلة، فاضمحل إيمانهم وزال إيقانهم، فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ فالقلوب تحتاج في كل وقت إلى أن تذكر بما أنزل له الله، وتناطق بالحكمة، ولا ينبغي الغفلة عن ذلك، فإن ذلك سبب لقسوة القلب وجمود العين. |
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(17) التفسير المختصر: اعلموا أن الله يحيي الأرض بإنباتها بعد جفافها، قد بيّنا لكم - أيها الناس - الأدلة والبراهين على قدرة الله ووحدانيته رجاء أن تعقلوها؛ فتعلموا أن الذي أحيا الأرض بعد موتها قادر على بعثكم بعد موتكم، وقادر على جعل قلوبكم لينة بعد قسوتها. تفسير الجلالين: «اعلموا» خطاب للمؤمنين المذكورين «أن الله يحيي الأرض بعد موتها» بالنبات فكذلك يفعل بقلوبكم يردها إلى الخشوع «قد بينا لكم الآيات» الدالة على قدرتنا بهذا وغيره «لعلكم تعقلون». تفسير السعدي: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ فإن الآيات تدل العقول على العلم بالمطالب الإلهية، والذي أحيا الأرض بعد موتها قادر على أن يحيي الأموات بعد موتهم، فيجازيهم بأعمالهم، والذي أحيا الأرض بعد موتها بماء المطر قادر على أن يحيي القلوب الميتة بما أنزله من الحق على رسوله، وهذه الآية تدل على أنه لا عقل لمن لم يهتد بآيات الله و[لم] ينقد لشرائع الله. |
إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ(18) التفسير المختصر: إن المتصدقين ببعض أموالهم، والمتصدقات ببعض أموالهنّ، الذين ينفقونها طيبة بها نفوسهم دون مَنٍّ ولا أذى، يُضاعَف لهم ثواب أعمالهم: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ولهم مع ذلك ثواب كريم عند الله وهو الجنة. تفسير الجلالين: «إن المصَّدقين» من التصديق أدغمت التاء في الصاد، أي الذين تصدقوا «والمصَّدقات» اللاتي تصدقن وفي قراءة بتخفيف الصاد فيهما من التصديق والإيمان «وأقرضوا الله قرضا حسنا» راجع إلى الذكور والإناث بالتغليب وعطف الفعل على الاسم في صلة أل لأنه فيها حل محل الفعل، وذكر القرض بوصفه بعد التصدق تقييد له «يضاعف» وفي قراءة يضعف بالتشديد، أي قرضهم «لهم ولهم أجر كريم». تفسير السعدي: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ بالتشديد أي: الذين أكثروا من الصدقات الشرعية، والنفقات المرضية، وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا بأن قدموا من أموالهم في طرق الخيرات ما يكون مدخرا لهم عند ربهم، يُضَاعَفُ لَهُمُ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ وهو ما أعده الله لهم في الجنة، مما لا تعلمه النفوس. |
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ۖ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ(19) التفسير المختصر: والذين آمنوا بالله وآمنوا برسله دون تفريق بينهم، أولئك هم الصدِّيقون، والشهداء عند ربهم لهم ثوابهم الكريم المعدّ لهم، ولهم نورهم الذي يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يوم القيامة، والذين كفروا بالله وبرسله، وكذبوا بآياتنا المنزلة على رسولنا أولئك أصحاب الجحيم، يدخلونها يوم القيامة خالدين فيها أبدًا، لا يخرجون منها. تفسير الجلالين: «والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون» المبالغون في التصديق «والشهداء عند ربهم» على المكذبين من الأمم «لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا» الدالة على وحدانيتنا «أولئك أصحاب الجحيم» النار. تفسير السعدي: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ والإيمان عند أهل السنة: هو ما دل عليه الكتاب والسنة، هو قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، فيشمل ذلك جميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة، فالذين جمعوا بين هذه الأمور هم الصديقون أي: الذين مرتبتهم فوق مرتبة عموم المؤمنين، ودون مرتبة الأنبياء.[وقوله:] وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ كما ورد في الحديث الصحيح: إن في الجنة مائة درجة، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، أعدها الله للمجاهدين في سبيله وهذا يقتضي شدة علوهم ورفعتهم، وقربهم الله تعالى. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ فهذه الآيات جمعت أصناف الخلق، المتصدقين، والصديقين، والشهداء، وأصحاب الجحيم، فالمتصدقون الذين كان جل عملهم الإحسان إلى الخلق، وبذل النفع إليهم بغاية ما يمكنهم، خصوصا بالنفع بالمال في سبيل الله.والصديقون هم الذين كملوا مراتب الإيمان والعمل الصالح، والعلم النافع، واليقين الصادق، والشهداء هم الذين قاتلوا في سبيل الله [لإعلاء كلمة الله، وبذلوا أنفسهم وأموالهم] فقتلوا، وأصحاب الجحيم هم الكفار الذين كذبوا بآيات الله.وبقي قسم ذكرهم الله في سورة فاطر، وهم المقتصدون الذين أدوا الواجبات وتركوا المحرمات، إلا أنهم حصل منهم تقصير ببعض حقوق الله وحقوق عباده، فهؤلاء مآلهم الجنة، وإن حصل لهم عقوبة ببعض ما فعلوا. |
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ(20) التفسير المختصر: اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب تلعب به الأبدان، ولهو تلهو به القلوب، وزينة تتجملون بها، وتفاخر بينكم بما فيها من ملك ومتاع، وتباهٍ بكثرة الأموال وكثرة الأولاد، كمثل مطر أعجب الزُّرَّاع نباته، ثم لا يلبث هذا النبات المخضرّ أن ييبس، فتراه - أيها الرائي - بعد اخضراره مصفرًّا، ثم يجعله الله فُتَاتًا يتكسر، وفي الآخرة عذاب شديد للكفار والمنافقين، ومغفرة من الله لذنوب عباده المؤمنين، ورضوان منه، وما الحياة الدنيا إلا متاع زائل لا ثبات له، فمن آثر متاعها الزائل على نعيم الآخرة فهو خاسر مغبون. تفسير الجلالين: «اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة» تزين «وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد» أي الاشتغال فيها، وأما الطاعات وما يعين عليها فمن أمور الآخرة «كمثل» أي هي في إعجابها لكم واضمحلالها كمثل «غيث» مطر «أعجب الكفار» الزارع «نباته» الناشئ، عنه «ثم يهيج» ييبس «فتراه مصفرا ثم يكون حطاما» فتاتا يضمحل بالرياح «وفي الآخرة عذاب شديد» لمن آثر عليها الدنيا «ومغفرة من الله ورضوان» لمن لم يؤثر عليها الدنيا «وما الحياة الدنيا» ما التمتع فيها «إلا متاع الغرور». تفسير السعدي: يخبر تعالى عن حقيقة الدنيا وما هي عليه، ويبين غايتها وغاية أهلها، بأنها لعب ولهو، تلعب بها الأبدان، وتلهو بها القلوب، وهذا مصداقه ما هو موجود وواقع من أبناء الدنيا، فإنك تجدهم قد قطعوا أوقات أعمارهم بلهو القلوب، والغفلة عن ذكر الله وعما أمامهم من الوعد والوعيد، وتراهم قد اتخذوا دينهم لعبا ولهوا، بخلاف أهل اليقظة وعمال الآخرة، فإن قلوبهم معمورة بذكر الله، ومعرفته ومحبته، وقد أشغلوا أوقاتهم بالأعمال التي تقربهم إلى الله، من النفع القاصر والمتعدي.[وقوله:] وَزِينَةً أي: تزين في اللباس والطعام والشراب، والمراكب والدور والقصور والجاه. [وغير ذلك] وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ أي: كل واحد من أهلها يريد مفاخرة الآخر، وأن يكون هو الغالب في أمورها، والذي له الشهرة في أحوالها، وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ أي: كل يريد أن يكون هو الكاثر لغيره في المال والولد، وهذا مصداقه، وقوعه من محبي الدنيا والمطمئنين إليها.بخلاف من عرف الدنيا وحقيقتها، فجعلها معبرا ولم يجعلها مستقرا، فنافس فيما يقربه إلى الله، واتخذ الوسائل التي توصله إلى الله وإذا رأى من يكاثره وينافسه بالأموال والأولاد، نافسه بالأعمال الصالحة.ثم ضرب للدنيا مثلا بغيث نزل على الأرض، فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام، حتى إذا أخذت الأرض زخرفها، وأعجب نباته الكفار، الذين قصروا همهم ونظرهم إلى الدنيا جاءها من أمر الله [ما أتلفها] فهاجت ويبست، فعادت على حالها الأولى، كأنه لم ينبت فيها خضراء، ولا رؤي لها مرأى أنيق، كذلك الدنيا، بينما هي زاهية لصاحبها زاهرة، مهما أراد من مطالبها حصل، ومهما توجه لأمر من أمورها وجد أبوابه مفتحة، إذ أصابها القدر بما أذهبها من يده، وأزال تسلطه عليها، أو ذهب به عنها، فرحل منها صفر اليدين، لم يتزود منها سوى الكفن، فتبا لمن أضحت هي غاية أمنيته ولها عمله وسعيه.وأما العمل للآخرة فهو الذي ينفع، ويدخر لصاحبه، ويصحب العبد على الأبد، ولهذا قال تعالى: وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ أي: حال الآخرة، ما يخلو من هذين الأمرين: إما العذاب الشديد في نار جهنم، وأغلالها وسلاسلها وأهوالها لمن كانت الدنيا هي غايته ومنتهى مطلبه، فتجرأ على معاصي الله، وكذب بآيات الله، وكفر بأنعم الله.وإما مغفرة من الله للسيئات، وإزالة للعقوبات، ورضوان من الله، يحل من أحله به دار الرضوان لمن عرف الدنيا، وسعى للآخرة سعيها.فهذا كله مما يدعو إلى الزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، ولهذا قال: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ أي: إلا متاع يتمتع به وينتفع به، ويستدفع به الحاجات، لا يغتر به ويطمئن إليه إلا أهل العقول الضعيفة الذين يغرهم بالله الغرور. |
سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(21) التفسير المختصر: سابقوا - أيها الناس - إلى الأعمال الصالحات التي تنالون بها مغفرة ذنوبكم؛ من توبة وغيرها من القربات، ولتنالوا بها جنة عرضها مثل عرض السماء والأرض، هذه الجنة أعدّها الله للذين آمنوا به وآمنوا برسله، ذلك الجزاء فضل الله يعطيه من يشاء من عباده، والله سبحانه ذو الفضل العظيم على عباده المؤمنين. تفسير الجلالين: «سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض» لو وصلت إحداهما بالأخرى والعرض: السعة «أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم». تفسير السعدي: ثم أمر بالمسابقة إلى مغفرة الله ورضوانه وجنته، وذلك يكون بالسعي بأسباب المغفرة، من التوبة النصوح، والاستغفار النافع، والبعد عن الذنوب ومظانها، والمسابقة إلى رضوان الله بالعمل الصالح، والحرص على ما يرضي الله على الدوام، من الإحسان في عبادة الخالق، والإحسان إلى الخلق بجميع وجوه النفع، ولهذا ذكر الله الأعمال الموجبة لذلك، فقال: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ والإيمان بالله ورسله يدخل فيه أصول الدين وفروعها، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ أي: هذا الذي بيناه لكم، وذكرنا لكم فيه الطرق الموصلة إلى الجنة، والطرق الموصلة إلى النار، وأن فضل الله بالثواب الجزيل والأجر العظيم من أعظم منته على عباده وفضله. وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ الذي لا يحصي ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه عباده |
مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ(22) التفسير المختصر: ما أصاب الناس من مصيبة في الأرض من الجَدْب وغيره، ولا أصابهم من مصيبة في أنفسهم إلا وهي مثبتة في اللوح المحفوظ من قبل أن نخلق الخليقة، إن ذلك على الله سهل. تفسير الجلالين: «ما أصاب من مصيبة في الأرض» بالجدب «ولا في أنفسكم» كالمرض وفقد الولد «إلا في كتاب» يعنى اللوح المحفوظ «من قبل أن نبرأها» نخلقها، ويقال في النعمة كذلك «إن ذلك على الله يسير». تفسير السعدي: يقول تعالى مخبرا عن عموم قضائه وقدره: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ وهذا شامل لعموم المصائب التي تصيب الخلق، من خير وشر، فكلها قد كتبت في اللوح المحفوظ، صغيرها وكبيرها، وهذا أمر عظيم لا تحيط به العقول، بل تذهل عنده أفئدة أولي الألباب، ولكنه على الله يسير، وأخبر الله عباده بذلك لأجل أن تتقرر هذه القاعدة عندهم، ويبنوا عليها ما أصابهم من الخير والشر، |
لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ(23) التفسير المختصر: وذلك لكي لا تحزنوا - أيها الناس - على ما فاتكم، ولكي لا تفرحوا بما أعطاكم من النعم فرح بَطَر، إن الله لا يحبّ كل متكبر فخور على الناس بما أعطاه الله. تفسير الجلالين: «لكيلا» كي ناصبة للفعل بمعنى أن، أي أخبر تعالى بذلك لئلا «تأسوا» تحزنوا «على ما فاتكم ولا تفرحوا» فرح بطر بل فرح شكر على النعمة «بما آتاكم» بالمد أعطاكم وبالقصر جاءكم منه «والله لا يحب كل مختال» متكبر بما أوتي «فخور» به على الناس. تفسير السعدي: فلا يأسوا ويحزنوا على ما فاتهم، مما طمحت له أنفسهم وتشوفوا إليه، لعلمهم أن ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ، لا بد من نفوذه ووقوعه، فلا سبيل إلى دفعه، ولا يفرحوا بما آتاهم الله فرح بطر وأشر، لعلمهم أنهم ما أدركوه بحولهم وقوتهم، وإنما أدركوه بفضل الله ومنه، فيشتغلوا بشكر من أولى النعم ودفع النقم، ولهذا قال: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ أي: متكبر فظ غليظ، معجب بنفسه، فخور بنعم الله، ينسبها إلى نفسه، وتطغيه وتلهيه، كما قال تبارك وتعالى: ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بل هي فتنة |
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ۗ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ(24) التفسير المختصر: الذين يبخلون بما يجب عليهم بذله، ويأمرون غيرهم بالبخل خاسرون، ومن يتولّ عن طاعة الله فلن يضرّ الله وإنما يضرّ نفسه، إن الله هو الغني، فلا يفتقر إلى طاعة عبيده، المحمود على كل حال. تفسير الجلالين: «والذين يبخلون» بما يجب عليهم «ويأمرون الناس بالبخل» به لهم وعيد شديد «ومن يتولى» عما يجب عليه «فإن الله هو» ضمير فصل وفي قراءة بسقوطه «الغني» عن غيره «الحميد» لأوليائه. تفسير السعدي: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ أي: يجمعون بين الأمرين الذميمين، اللذين كل منهما كاف في الشر البخل: وهو منع الحقوق الواجبة، ويأمرون الناس بذلك، فلم يكفهم بخلهم، حتى أمروا الناس بذلك، وحثوهم على هذا الخلق الذميم، بقولهم وفعلهم، وهذا من إعراضهم عن طاعة ربهم وتوليهم عنها، وَمَنْ يَتَوَلَّ عن طاعة الله فلا يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئا، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ الذي غناه من لوازم ذاته، الذي له ملك السماوات والأرض، وهو الذي أغنى عباده وأقناهم، الحميد الذي له كل اسم حسن، ووصف كامل، وفعل جميل، يستحق أن يحمد عليه ويثنى ويعظم. |
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ(25) التفسير المختصر: لقد أرسلنا رسلنا بالحجج الواضحة والبراهين الجلية، وأنزلنا معهم الكتب، وأنزلنا معهم الميزان؛ ليقوم الناس بالعدل، وأنزلنا الحديد فيه بأس قوي، فمنه يُصْنَع السلاح، وفيه منافع للناس في صناعاتهم وحرفهم، وليعلم الله علمًا يظهر للعباد من ينصره من عباده بالغيب، إن الله قوي عزيز لا يغلبه شيء، ولا يعجز عن شيء. تفسير الجلالين: «لقد أرسلنا رسلنا» الملائكة إلى الأنبياء «بالبينات» بالحجج القواطع «وأنزلنا معهم الكتاب» بمعنى الكتب «والميزان» العدل «ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد» أخرجناه من المعادن «فيه بأس شديد» يقاتل به «ومنافع للناس وليعلم الله» علم مشاهدة، معطوف على ليقوم الناس «من ينصره» بأن ينصر دينه بآلات الحرب من الحديد وغيره «ورسوله بالغيب» حال من هاء ينصره، أي غائبا عنهم في الدنيا، قال ابن عباس: ينصرونه ولا يبصرونه «إن الله قوي عزيز» لا حاجة له إلى النصرة لكنها تنفع من يأتي بها. تفسير السعدي: يقول تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وهي الأدلة والشواهد والعلامات الدالة على صدق ما جاءوا به وحقيته. وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وهو اسم جنس يشمل سائر الكتب التي أنزلها الله لهداية الخلق وإرشادهم، إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وَالْمِيزَانَ وهو العدل في الأقوال والأفعال، والدين الذي جاءت به الرسل، كله عدل وقسط في الأوامر والنواهي وفي معاملات الخلق، وفي الجنايات والقصاص والحدود [والمواريث وغير ذلك]، وذلك لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ قياما بدين الله، وتحصيلا لمصالحهم التي لا يمكن حصرها وعدها، وهذا دليل على أن الرسل متفقون في قاعدة الشرع، وهو القيام بالقسط، وإن اختلفت أنواع العدل، بحسب الأزمنة والأحوال، وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ من آلات الحرب، كالسلاح والدروع وغير ذلك. وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وهو ما يشاهد من نفعه في أنواع الصناعات والحرف، والأواني وآلات الحرث، حتى إنه قل أن يوجد شيء إلا وهو يحتاج إلى الحديد. وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ أي: ليقيم تعالى سوق الامتحان بما أنزله من الكتاب والحديد، فيتبين من ينصره وينصر رسله في حال الغيب، التي ينفع فيها الإيمان قبل الشهادة، التي لا فائدة بوجود الإيمان فيها، لأنه حينئذ يكون ضروريا. إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ أي: لا يعجزه شيء، ولا يفوته هارب، ومن قوته وعزته أن أنزل الحديد الذي منه الآلات القوية، ومن قوته وعزته أنه قادر على الانتصار من أعدائه، ولكنه يبتلي أولياءه بأعدائه، ليعلم من ينصره بالغيب، وقرن تعالى في هذا الموضع بين الكتاب والحديد، لأن بهذين الأمرين ينصر الله دينه، ويعلي كلمته بالكتاب الذي فيه الحجة والبرهان والسيف الناصر بإذن الله، وكلاهما قيامه بالعدل والقسط، الذي يستدل به على حكمة الباري وكماله، وكمال شريعته التي شرعها على ألسنة رسله. |
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ۖ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ(26) التفسير المختصر: ولقد أرسلنا نوحًا وإبراهيم عليهما السلام، وجعلنا في ذريتهما النبوة، والكتب المنزلة، فمن ذريتهما مهتدٍ إلى الصراط المستقيم، موفَّق، وكثير منهم خارجون عن طاعة الله. تفسير الجلالين: «ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب» يعني الكتب الأربعة: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان فإنها في ذرية إبراهيم «فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون». تفسير السعدي: ولما ذكر نبوة الأنبياء عموما، ذكر من خواصهم النبيين الكريمين نوحا وإبراهيم اللذين جعل الله النبوة والكتاب في ذريتهما، فقال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ أي: الأنبياء المتقدمين والمتأخرين كلهم من ذرية نوح وإبراهيم عليهما السلام، وكذلك الكتب كلها نزلت على ذرية هذين النبيين الكريمين، فَمِنْهُمْ أي: ممن أرسلنا إليهم الرسل مُهْتَدٍ بدعوتهم، منقاد لأمرهم، مسترشد بهداهم. وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ أي: خارجون عن [طاعة الله و] طاعة الرسل والأنبياء كما قال تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ |
ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ(27) التفسير المختصر: ثم أتبعنا رسلنا، فبعثناهم تَتْرَى إلى أممهم، وأتبعناهم بعيسى بن مريم وأعطيناه الإنجيل، وجعلنا في قلوب الذين آمنوا به واتبعوه رأفة ورحمة، فكانوا متوادِّين متراحمين فيما بينهم، وابتدعوا الغلو في دينهم، فتركوا بعض ما أحل الله لهم من النكاح والملاذ، ولم نطلب منهم ذلك، وإنما ألزموا به أنفسهم؛ ابتداعًا منهم في الدين، وإنما طلبنا اتباع مرضاة الله فلم يفعلوا، فأعطينا الذين آمنوا منهم ثوابهم، وكثير منهم خارجون عن طاعة الله بالتكذيب بما جاءهم به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. تفسير الجلالين: «ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية» هي رفض النساء واتخاذ الصوامع «ابتدعوها» من قبل أنفسهم «ما كتبناها عليهم» ما أمرناهم بها «إلا» لكن فعلوها «ابتغاء رضوان» مرضاة «الله فما رعوْها حق رعايتها» إذ تركها كثير منهم وكفروا بدين عيسى ودخلوا في دين ملكهم وبقي على دين عيسى كثير منهم فآمنوا بنبينا «فآتينا الذين آمنوا» به «منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون». تفسير السعدي: ثُمَّ قَفَّيْنَا أي: أتبعنا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ خص الله عيسى عليه السلام؛ لأن السياق مع النصارى، الذين يزعمون اتباع عيسى عليه السلام، وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ الذي هو من كتب الله الفاضلة، وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً كما قال تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ الآيات.ولهذا كان النصارى ألين من غيرهم قلوبا، حين كانوا على شريعة عيسى عليه السلام. وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا والرهبانية: العبادة، فهم ابتدعوا من عند أنفسهم عبادة، ووظفوها على أنفسهم، والتزموا لوازم ما كتبها الله عليهم ولا فرضها، بل هم الذين التزموا بها من تلقاء أنفسهم، قصدهم بذلك رضا الله تعالى، ومع ذلك فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا أي: ما قاموا بها ولا أدوا حقوقها، فقصروا من وجهين: من جهة ابتداعهم، ومن جهة عدم قيامهم بما فرضوه على أنفسهم. فهذه الحال هي الغالب من أحوالهم.ومنهم من هو مستقيم على أمر الله، ولهذا قال: فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ أي: الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، مع إيمانهم بعيسى، كل أعطاه الله على حسب إيمانه وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ |
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(28) التفسير المختصر: يا أيها الذين آمنوا بالله وعملوا بما شرعه لهم، اتقوا الله بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وآمنوا برسوله، يعطكم نصيبَيْن من الثواب والأجر على إيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وإيمانكم بالرسل السابقين، ويجعل لكم نورًا تهتدون به في حياتكم الدنيا، وتستنيرون به على الصراط يوم القيامة، ويغفر لكم ذنوبكم فيسترها ولا يؤاخذكم بها، والله سبحانه غفورٌ لعباده رحيم بهم. تفسير الجلالين: «يا أيها الذين آمنوا» بعيسى «اتقوا الله وآمنوا برسوله» محمد صلى الله عليه وسلم وعيسى «يؤتكم كفلين» نصيبين «من رحمته» لإيمانكم بالنبيين «ويجعل لكم نورا تمشون به» على الصراط «ويغفر لكم والله غفور رحيم». تفسير السعدي: وهذا الخطاب، يحتمل أنه [خطاب] لأهل الكتاب الذين آمنوا بموسى وعيسى عليهما السلام، يأمرهم أن يعملوا بمقتضى إيمانهم، بأن يتقوا الله فيتركوا معاصيه، ويؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأنهم إن فعلوا ذلك أعطاهم الله كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ أي: نصيبين من الأجر نصيب على إيمانهم بالأنبياء الأقدمين، ونصيب على إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم.ويحتمل أن يكون الأمر عاما يدخل فيه أهل الكتاب وغيرهم، وهذا الظاهر، وأن الله أمرهم بالإيمان والتقوى الذي يدخل فيه جميع الدين، ظاهره وباطنه، أصوله وفروعه، وأنهم إن امتثلوا هذا الأمر العظيم، أعطاهم الله كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ لا يعلم وصفهما وقدرهما إلا الله تعالى أجر على الإيمان، وأجر على التقوى، أو أجر على امتثال الأوامر، وأجر على اجتناب النواهي، أو أن التثنية المراد بها تكرار الإيتاء مرة بعد أخرى. وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ أي: يعطيكم علما وهدى ونورا تمشون به في ظلمات الجهل، ويغفر لكم السيئات. وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ فلا يستكثر هذا الثواب على فضل ذي الفضل العظيم، الذي عم فضله أهل السماوات والأرض، فلا يخلو مخلوق من فضله طرفة عين ولا أقل من ذلك. |
لِّئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(29) التفسير المختصر: وقد بيّنا لكم فضلنا العظيم بما أعددناه لكم - أيها المؤمنون - من الثواب المضاعف؛ ليعلم أهل الكتاب السابقون من يهود ونصارى أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله بحيث يمنحونه مَنْ يشاؤون، ويمنعونه مَنْ يشاؤون، وليعلموا أن الفضل بيد الله سبحانه يعطيه من يشاء من عباده، والله ذو الفضل العظيم الذي يختص به من يشاء من عباده. تفسير الجلالين: «لئلا يعلم» أي أعلمكم بذلك ليعلم «أهل الكتاب» بالتوراة الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم «أن» مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن والمعنى أنهم «لا يقدرون على شيءٍ من فضل الله» خلاف ما في زعمهم أنهم أحباء الله وأهل رضوانه «وأن الفضل بيد الله يؤتيه» يعطيه «من يشاء» فآتى المؤمنين منهم أجرهم مرتين كما تقدم «والله ذو الفضل العظيم». تفسير السعدي: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أي: بينا لكم فضلنا وإحساننا لمن آمن إيمانا عاما، واتقى الله، وآمن برسوله، لأجل أن أهل الكتاب يكون لديهم علم بأنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله أي: لا يحجرون على الله بحسب أهوائهم وعقولهم الفاسدة، فيقولون: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى ويتمنون على الله الأماني الفاسدة، فأخبر الله تعالى أن المؤمنين برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، المتقين لله، لهم كفلان من رحمته، ونور، ومغفرة، رغما على أنوف أهل الكتاب، وليعلموا أن الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ممن اقتضت حكمته تعالى أن يؤتيه من فضله، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الذي لا يقادر قدره].تم تفسير سورة الحديد، ولله الحمد والمنة، والحمد لله. |